Thursday, July 19, 2007

جريمة

الظلام خارج الغرفة واسع جداً لا حدود له، السكون الطويل يقطعه فجأة نباح ذلك الكلب عند كوم الزبالة القريب على ناصية الشارع الترابي، النباح يشتد يتبعه مواء بعض القطط الضالة، يستمر الصوت لدقائق، يعلو بعدها نباح الكلب، وتختلف نبرته، وكأن المشهد يوحى بأن المعركة ـ فى الخارج ـ قد حسمها الطرف الذى ظل ينتصر بنفس الطريقة طوال تلك السنوات. الضوء داخل الغرفة خافت جداً، وقد تكررت محاولاته للنفاذ إلى خارج الحجرة عبر ذلك الباب الأصم، ولم تنجح المحاولات إلا من شعاع صغير للغاية، استطاع أن يتسرب إلى الخارج رغم أنف الجميع.
المنظر بالداخل لا يوحى ـ مطلقاً ـ بضخامة الفكرة التى تدور بالرأس التى تعتلى تلك الجثة الضخمة الراقدة فوق السرير الوحيد بالغرفة، الجو خانق والأنفاس مكتومة، والنسائم الصغيرة فقدت الأمل فى أن تجد لها طريقاً هناك.
لم تكن فكرة القتل بجديدة على هذا المكان الضيق، فقد ولدت فيه عشرات الأفكار حول القتل، كما عُرِفت فيه ألواناً جديدة ـ من ألوان القتل ـ التى لم تعرفها مدينتنا من قبل، ولم تكن رائحة الدم بغريبة على تلك الأنف التى تقذف دخان السجائر، الذى يخرج فى شكل حلقات صغيرة وكأنها قد صُمِّمت بإبداع غير محدود.
ظلَّت الأفكار تغدو وتروح برأس قدري، حتى قذفت تلك الرأس الشيطانية بفكرة لم ترد له على خاطر من قبل، وانطلقت الكلمة من فم الرجل وكأنها صرخة الفوز، ودبَّت الحياة فى أوصاله مرةً أخرى، وعاد النشاط إلى خلايا جسده بعد أن أحس بأنها توقفت عن العمل، فلم يكن ما يفكر فيه يخطر على بال أحد، فهدفه هذه المرة هو قتل الشيخ حسين، والذى يُعرف فى المدينة ـ بل والمدن المجاورة أيضاً ـ أنه أطيب شيخ عرفته بلادنا على مر السنوات والعصور، وأنه الأكثر احترافاً فى مداواة المرضى بعلمه الواسع الغزير فى طب الأعشاب. ولم تكن فكرة قتل الشيخ حسين باليسيرة، حتى على أعتى المجرمين ومحترفي القتل، فبجانب قدرته على مداواة المرضى، كان معروفاً ـ أيضاً ـ بقدرته على حل المشاكل والخلافات بين الناس، واعتلى ـ بفضل ذلك ـ مكانة ـ لا تضاهيها مكانة ـ عند الجميع، حتى أن أتباعه ومريديه تزايدوا بشكل جعل عضو مجلس الشعب ـ عن هذه الدائرة الانتخابية ـ يشعر بقلق كبير، وأصبح حقده تجاه الشيخ متزايداً، وهو ما دفعه إلى التفكير فى قتله، لأن كلمة الشيخ حسين للناس تعني آلاف الأصوات الانتخابية لصالح المنافس المُحتمل فى الانتخابات القريبة، وذلك بعد أن فشل جناب النائب الحالي فى التقرب والتودد إلى الشيخ الطيب.
لم تكن كل هذه التفاصيل تلقى اهتماماً لدى قدري، وكان كل ما يشغل باله هو أن ينفذ مهمته دون أن تُكتشف جريمته، فكثير من سكان شارعنا ومدينتنا يعرفون عن جرائمه الكثير، لكنهم لا يجرؤون على البوح بذلك حتى بين أنفسهم، ولكن قتل الشيخ حسين ليس ككل جرائمه السابقة، فهذا الرجل أصبح فى نظر مدينتنا ـ والمدن المجاورة ـ رمزاً للحكمة والشجاعة، وأصبحت أعشابه أقوى من كل الأطباء والأدوية.
بدأت همهمة تسرى من شفاه قدري، وأصبح ينظر حوله وكأنه يترقب ظهور مجهول أمامه واثباً من أحد أركان الحجرة، ليعلن أنه قد عرف بكل ما يدور داخل هذه الرأس التى لا تعرف الرحمة، وأنه سيخرج ليقص على الجميع كل ما يعرفه.
تلألأت قطرات العرق المتناثرة فوق جبينه، واكتست باللون الماسي، وأخذ هو يلتقط أنفاسه اللاهثة وقد اختلط صوت فوران القهوة فوق الموقد الصغير مع صوت الأزيز الذي يبعثه الموقد، كما اختلطت رائحة العرق النتنة التى يفور بها جسده الضخم مع رائحة الدخان المنبعث من سيجارته الرخيصة، حتى أصبحا مزيجاً واحداً يصارع رائحة البن الرديء الذى يصنع منه القهوة. الظلام أصبح أكثر جرأة من ذي قبل، والصمت عاد ليلف أرجاء المكان مرةً أخرى، حتى انقطع الصمت ـ من جديد ـ بصرخات المجتمعين بالأسفل، وهم يصيحون بجنون: "لقد مات الشيخ"، فجرى ناحية النافذة ونظر إلى الأسفل قائلاً: "أو لعله قُتِل".

Thursday, May 10, 2007

شخص أعرفه


- لم يعد ذلك الوجه حقيقياً كما كان من قبل، يبدو أسطورياً على نحو ما!
- وهل تعرف أنت أنه لم يعد يدرك تلك الحقيقة سوى نحن الاثنين فقط.
يسمع ما قيل، ثم يلتفت حوله فلا يجد سوى تلك المرأة المجنونة التى لازالت تُلوِّح بيدها لمجهول، ثم تعود لطاولتها تهمس إلى آخر، وتصنع حديثا ًلا ينتهي. ينظر إلى مرآته، فيجدها خالية، لم تعد هى الأخرى ترى وجوهاً لا حقيقة لها. يُقلِّب فى أوراقه وصوره القديمة، فلا يجد منها سوى ما ينكر عليه صفة الوجود الآن. يطوف بعينيه وسط ذكرياته فيقفز إليه يوم تعانقا بحرارة وتعاهدا فيه على شيء لم يعد أياً منهما فى رباط منه الآن.
تتسلل إلى أنفه رائحة الذكريات، ترتعش أطرافه وتدب فى أوصاله رجفةً لذلك. أوهموه بأنها فرصته التى لن تتكرر، كاد أن يصدق ما يقولون، لكنه على أية حال أدرك كيف أن أشجار الزيتون القابعة وراء ذلك السور، لم يكن بها سوى أفاعي وثعابين تتحفَّز للانقضاض عليه. لم يكن لزاماً عليه أن يجد الترياق من هذا السم، فهذه الأفاعي لا تجرؤ على أن تبرح مكانها، فهى الآن تعيش حياة الخلود وسط هذه الأشجار.
وهكذا أخذ يروى لنا قصته، واستطرد فى حديثه قائلاً: "يبدو أن القضية خاسرة، لم يعد هناك أى أمل، كل ما أريده هو أن أبدأ حياة جديدة". توقَّف عن الحديث عند هذا الحد، يشعر بأنه يحتاج إلى قسط من الراحة، رغم أن الرحلة لم تتجاوز سوى بضعة دقائق، حتى أن قاده ذلك الصباح إلى حالة غير مسبوقة من الاتساق، لم يعرف ـ على وجه التحديد ـ كيف مضت الرحلة، وكم من الوقت استغرقت، لكنه لم يعد ـ الآن على الأقل ـ منزعجاً بشدة لما يجرى.يدير شاشة التلفاز بين العديد من القنوات، ولا يجد ذلك الوجه الذى يبحث عنه فى أبطال القضية، يخشى سقوطه المفاجئ قبل أن تكتمل رحلته إلى قمة "جبل الأوليمب"، يعود إلى "أولاد حارتنا" مرة أخرى، يبحث عن وجه "عرفة" أو "أدهم" أو حتى "إدريس، يُمنِّى نفسه بأن يجد ما يبحث عنه فى الرواية القادمة، لكنه يخاف أن تختفي قصته بين سطورها.

Monday, January 22, 2007

نقطة سوداء



وقتها فقط أدرك أنها نقطة سوداء. عرف كيف يمحوها. يعى جيداً أن صفحته لن تعود كما كانت. يجلس ليفكر، هل يمزق هذه الصفحة؟ يدرك أن تمزيقها قد يصيب دفتره بشئ من التفكك والتبعثر، فسوف يصيبه الوهن ولن يتحمل المزيد وتتساقط أوراقه بمرور الأيام.

يقرر أن يطوى صفحته، ويذهب بعيداً، يبدأ من جديد، يسجل حروفاً أخرى.

Wednesday, January 3, 2007

كيف تبحث عن عنوان؟



يستيقظ فى الصباح، يؤدى بعض طقوسه المعتادة، ينظر إلى الشمس، يشيح بوجهه عنها وكأنه لا يحتمل أن يراها، يلتقى بصديقه دائماً فى نفس الموعد وفى نفس المكان، يتبادلان أطراف الحديث التى لا تنتهى، يفعلان الكثير والكثير فى محاولة لإضفاء بعض من البهجة التى تكسر الملل، لا يذكر أنهما استمتعا يوماً بما يفعلان، لكنهما يفعلانه على أية حال.
يمضى فى طريقه، يتوقف، يلتفت حوله، ينتظر ثم يمضى مجدداً، يبحث عن صورة اعتاد رؤيتها لسنوات، اختفت هذه الصورة، لم يعد يراها الآن، لم يعد يجدها فى ذلك المكان الذى اعتاد أن يراها فيه، يعلم أنه لن يجدها مرة أخرى فهى لم تعد هناك، يفكر فيما يدفعه إلى البحث عنها، لا يجدما يبرر ذلك ـ حتى ـ أمام نفسه.
يذوق مرارة حقائق ليست بالقليلة، يبتلع هذه الحقائق، يخفيها عن الكثيرين، يتحمل قسوة ذلك الهم والحِمل، أقصى أمانيه أن يتحدث إلى آخرين، يُعلِمهم بما يعرف، يهمس فى أذنهم بما سمع، يضيف إلى هذه الحقائق رؤيته الخاصة، يروى التفاصيل، ينحر فى جوانبها، يغوص فى أعماقها، يفسر ما لا يفهمونه وما يختلفون فيه.
يبحث فى أعماقه عن أحاديث صديقه إليه، لا يذكر منها شيئاُ على الإطلاق، يُربكه وجوده المفاجئ، يسدد إليه لكمة قوية،ة يرفض ذلك النوع من الأحاديث، يتركه فى ألمه، يلتفت إليه قائلاً:
- لم أعد بحاجة إليك بعد الآن.
- شئت أم أبيت، جميعهم يشهدون أنى أفضل منك.
يشعر فى قرارة نفسه بخيبة أمل، يتصنع الشعور بالنجاح والفخر أمام الآخرين، يُبهرهم بما يقول، لكمته إلى صديقه لم تكن إلا لمزيد من الإبهار.
يستشعر أنه يصارع أمواجاً عاتية، الأمواج تبدو وكأنها لا تمت إلى الحقيقة بِصِلة. قطار السابعة، يعرف أنه سيجد ما يريده داخل هذا القطار، ينتظر على المحطة، تفوته قطارات كثيرة، يُفوّت هو قطارات أكثر، ينتظر هذا القطار، لا يعرف ما يربطه بذلك القطار، يستقل القطار، يقرر أن محطته هى القادمة، يلقى بنظرة أخيرة من خلف النافذة، يعرف كيف سيجد طريقه إلى المحطة وسط هذا الزحام.
حقيقة واحدة لم يعد بحاجة إلى أن يخفيها بعد الآن، لكنه لا يبوح بها أيضاً، الصورة تقفز إلى خياله، لكنه لم يعد قادراً على أن يتبين ملامحها.يصرخ فى وجه صديقه: "قوم بسرعة الماتش هيفوتنا".

Sunday, December 24, 2006

لحظات حقيقية


اليوم أعود إلى قلمى وورقتى مرة أخرى، انقطعت عنهم كثيراً، أشعر باشتياقى الكبير إليهم، أتطلع إلى كلمات كثيرة وكثيرة أخططتها بهذا القلم منذ زمن بعيد.
شعورى هذه المرة كان مختلفاً، نعم مختلفاً تماماً، لا تراودنى تلك الأحاسيس التى أحسستها من قبل، الأحاسيس المتناقضة والمتداخلة، هذه المرة حديثى إليها لم يكن وهماً، لم يكن مثل تلك الأحاديث التى اعتدت أن أتبادلها بداخلى فقط، داخل غرفتى الصغيرة، بين لسانى وأذناى فقط.
الصورة حقيقية تماماً، الحديث هذه المرة حقيقة كاملة، الأبطال حقيقيون، ليسوا أولئك المزيفين الذين اعتدت أن أصنعهم بكلماتى.
الكلمات تخرج بذلك الرابط والمنطق الذى افتقدته طوال تلك السنوات. لم تعد تطاردنى تلك الوجوه القديمة. الآن أستطيع أن أرى كل هذه الوجوه بوضوح، أن أحدد ملامحها جيداً، أن أرى كل وجه فى مكانه كما ينبغى.
هذه المرة آراها أمامى بالفعل وبنفس العيون التى رأتها جميلة من قبل. لم يعد وجهها مجرد صورة أو خيال. إنه حقيقة تتجسد. أستطيع أن أتبين ملامحه جيداً، أستيطع أن أتحسسه، أستطيع أن أرى شيئاً مما يدور داخل تلك العيون، أستطيع أن أستمع إلى كل الكلمات التى تخرج من هذه الشفاه.كلمات قليلة لكنها أيضاً ككل شئ حقيقية تماماً............

حبيبتي

لم أعد أشعر أنى بحاجة إلى مزيد من الكتابة عنكِ. فقط اكتفى بهذه الكلمات التى أتوجه بها إلى قلبكِ الحنون الدافئ. نعم أعلم أنه قلبُُُ حنون ودافئ. حبيبتي أبعث إليكِ بهذه الكلمات كى تعرفين أنه بداخلي قلب ينبض لرؤياكِ، يعيش من أجلكِ، ينتظر قدومكِ منذ سنوات.
أبحث عنكِ فى كل مكان، لا أعرف أين أنتِ، وكيف أجدك ومتى ألقاكِ. لكنى أعرف جيداً أننا سنلتقي يوماً ما، أعرف أنك لازلتِ فى انتظاري، تنتظرين منذ سنوات ولا زلتِ تهمسين إليَّ بكلمات رقيقة لا يعرفها أحد سوانا نحن الاثنين.
تبعثين إليَّ بهذه الكلمات كى أعرف أنكِ لازلت هناك، تنتظرين قدومي، تعرفين أننا سنلتقي يوماً ما، سَنُعوِّض ما فاتنا في سنوات الانتظار، سنتعاهد على الكثير والكثير من أجل أن نحيا سوياً أجمل ما في دنيانا.
توهمت أنى رأيتكِ من قبل، عرفتكِ من قبل، توهمت أنى رأيتكِ فى إحداهن أو عرفتكِ فى بعضهن، ولكن سرعان ما عرفت أنه مجرد وهم وأنك لازلت هناك تنتظرين. تعرفين أنى أخطو هذه الخطوات إليكِ، أخوض هذه التجارب من أجلك، أسلك كل تلك الدروب كى أصل إليكِ.
أعرف أن خطواتي تحملني إلى قدرنا المحتوم، إلى دنيا أعدكِ أنك ستكونين أنتي أجمل ما فيها وكل ما فيها....
كلماتي عن الحب لن تكون إلا من أجلك، كل ما يدور بداخلي يعرف طريقه إليكِ، أنتِ فقط من تستحقين هذا القلب، القلب الذي ينبض بكِ ولكِ، أنتِ من سيغمره ذلك الحنان الذى لا حد له، أنت من سيملأ هذه الحياة بفرح غير مفتعل,,,,,
حبيبتي أشعر حقاً أني بحاجة إليكِ، بحاجة إلى حضنكِ الدافئ، إلى قلبكِ الذي ينبض نبضاً حقيقياً، بحاجة إلى أن أشعر بوجودك هنا بجانبي، أتأمل فى عينيكِ، أتبين ملامح وجهكِ الناضر، ألمس يديكِ وأضمها إلى صدري، أدع شفتاي تذوب فيهما، أرى فى عينيكِ ذلك الخجل الذي يقتلني حباً.......
حبيبتي لن يطول الانتظار.